فصل: ومن باب ما يجوز من السن في الضحايا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب في إتيان المدينة:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن الزهري عن ابن المسيب، عَن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تشد الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد مسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى».
قلت: هذا في النذر ينذر الإنسان أن يصلي في بعض المساجد فإن شاء وفى به وإن شاء صلى في غيره إلاّ أن يكون نذر الصلاة في واحد من هذه المساجد فإن الوفاء يلزمه بما نذره فيها، وإنما خص هذه المساجد بذلك لأنها مساجد الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين، وقد أمرنا بالاقتداء بهم.
وقال بعض أهل العلم لا يصح الاعتكاف إلاّ في واحد من هذه المساجد الثلاثة وعليه تأول الخبر.

.ومن باب في تحريم المدينة:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال: «ما كتبنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاّ القرآن وما في هذه الصحيفة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة حرام ما بين عائر إلى ثور فمن أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه عدل ولا صرف. ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه عدل ولا صرف ومن والى قومًا بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه عدل ولا صرف».
عائر وثور جبلان وزعم بعض العلماء أن أهل المدينة لا يعرفون بالمدينة جبلا يقال له ثور، وإنما ثور بمكة فيرون أن الحديث إنما أصله ما بين عائر إلى أحد، وأما تحريمه المدينة فإنما هو في تعظيم حرمتها دون تحريم صيدها وشجرها.
وقد اختلف الناس في صيد المدينة وشجرها فقال مالك والشافعي وأكثر الفقهاء لا جزاء على من اصطاد في المدينة صيدا واحتجوا بحديث أنس وبقوله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا عمير ما فعل النغير» والنغر صيد فلو كان صيد المدينة حرامًا لم يجز اصطياده ولا إمساكه في المدينة كهو بمكة، وكان ابن ذئب يرى الجزاء على من قتل صيدا من صيد المدينة أو قطع شجرة من شجرها.
وروي أن سعدا وزيد بن ثابت وأبا هريرة كانوا يرون صيد المدينة حرامًا فأما إيجاب الجزاء فلا يصح عن أحد منهم.
وكان الشافعي يذهب في القديم إلى أن من اصطاد في المدينة صيدا أخذ سلبه وروى فيه أثرا عن سعيد وقال في الجديد بخلافه.
وقال ابن نافع سئل مالك عن قطع السدر وما جاء فيه من النهي فقال إنما نهى عن قطع سدر المدينة لئلا توحش وليبقى فيها شجرها فيستأنس بذلك ويستظل بها من هاجر إليها.
وقوله: «من آوى محدثا فعليه لعنة الله» فإنه يروى على وجهين محدثا مكسورة الدال وهو صاحب الحدث وجانيه، ومحدثا مفتوحة الدال وهو الأمر المحدث والعمل المبتدع الذي لم تجر به سنة ولم يتقدم به عمل.
وقوله: «لا يقبل منه عدل ولا صرف» فإنه يقال في تفسير العدل أنه الفريضة والصرف النافلة. ومعنى العدل هو الواجب الذي لابد منه ومعنى الصرف الربح والزيادة ومنه صرف الدراهم والدنانير والنوافل زيادات على الأصول فلذلك سميت صرفًا.
وقوله: «يسعى بها أدناهم» فمعناه أن يحاصر الإمام قوما من الكفار فيعطي بعض أهل عسكر المسلمين أمانا ًلبعض الكفار فإن أمانه ماض وإن كان المجير عبدًا وهو أدناهم وأقلهم. وهذا خاص في أمان بعض الكفار دون جماعتهم ولا يجوز لمسلم أن يعطي أمانًا عامًا لجماعة الكفار فإن فعل ذلك لم يجز أمانه لأن ذلك يؤدي إلى تعطيل الجهاد أصلا وذلك غير جائز.
وقوله: «فمن أخفر مسلما» يريد نقض العهد يقال خفرت الرجل إذا أمنته وأخفرته بالألف إذا نقضت عهده.
وقوله: «من والى قوما بغير إذن مواليه» فإن ظاهره يوهم أنه شرط وليس معناه معنى الشرط حتى يجوز له أن يوالي غير مواليه إذا أذنوا له في ذلك وإنما هو بمعنى التوكيد لتحريمه والتنبيه على بطلانه والإرشاد إلى السبب فيه وذلك أنه إذا استأذن أولياءه في موالاة غيرهم منعوه من ذلك، وإذا استبد به دونهم خفي أمره عليهم فربما ساغ له ما تعاطاه من ذلك فإذا تطاول الوقت وامتد به الزمان عرف من لاء من انتقل إليهم فيكون ذلك سببا لبطلان حق مواليه فهذا وجه ما ذكر من إذنهم.
قال أبو داود: حدثنا حامد بن يحيى حدثنا عبد الله بن الحارث عن محمد بن عبد الله بن إنسان الطائفي عن أبيه عن عروة بن الزبير قال: «أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من لية حتى إذا كنا عند السدرة وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في طرف القرن الأسود حذوها فاستقبل نخبا ببصره ووقف حتى اتفق الناس كلهم ثم قال إن صيد وجٍّ وعِضاهه حَرَم مُحَرم لله وذلك قبل نزوله الطائف وحصاره ثقيف».
قلت: القرن جبيل صغير ورابية تشرف على وهدة. وَوَجٍّ ذكروا أنه من ناحية الطائف ونخب أراه جبلا أو موضعا ولست أحقه والعضاه من الشجر ما كان له شوك ويقال للواحدة منه عضة على وزن عوة ويقال عضة وعضاه كما قالوا شفة وشفاه. ولست أعلم لتحريمه وجهًا معنى إلاّ أن يكون ذلك على سبيل الحمى لنوع من منافع المسلمين، وقد يحتمل أن يكون ذلك التحريم إنما كان في وقت معلوم وفي مدة محصورة ثم نسخ. ويدل على ذلك قول وذلك قبل نزول الطائف وحصاره ثقيف ثم عاد الأمر فيه إلى الإباحة كساتر بلاد الحل. ومعلوم أن عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزلوا بحضرة الطائف وحصروا أهلها ارتفقوا بما نالته أيديهم من شجر وصيد ومرفق فدل ذلك على أنها حل مباح وليس يحضرني في هذا وجه غير ما ذكرته إلاّ شيء يروى عن كعب الأحبار لا يعجبني أن أحكيه وأعظم أن أقوله وهو كلام لا يصح في دين ولا نظر والله أعلم.

.كتاب الضحايا:

قال أبو داود: حدثنا حميد بن مسعدة حدثنا بشر عن عبد الله بن عون عن عامر بن أبي رملة قال أنبأنا مخنف بن سليم قال: ونحن وقوف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات فقال: «يا أيها الناس إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة أتدرون ما العتيرة هذه التي تقول الناس الرجبية».
قال أبو داود: العتيرة منسوخة.
قلت: «العتيرة» تفسيرها في الحديث أنها شاة تذبح في رجب وهذا هو الذي يشبه معنى الحديث ويليق بحكم التدين، فأما العتيرة التي كان يعترها أهل الجاهلية فهي الذبيحة تذبح للصنم فيصب دمها على رأسه، والعتر بمعنى الذبح ومنه قول الحارث بن حلزة:
عننا باطلا وظلما كما تعـ ** ـتر عن حجرة الربيض الظباء

أي تذبح واختلفوا في وجوب الأضحية فقال أكثر أهل العلم إنها ليست بواجبة ولكنها مندوب إليها.
وقال أبو حنيفة هي واجبة وحكاه عن إبراهيم، وقال محمد بن الحسن هي واجبة على المياسير.
قلت: هذا الحديث ضعيف المخرج وأبو رملة مجهول.

.ومن باب الرجل يأخذ من شعره وهو يريد أن يضحي:

قال أبو داود: حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا محمد بن عمرو حدثنا عمرو بن مسلم الليثي قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: سمعت أم سلمة تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان له ذِبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئًا حتى يضحي».
قلت: الذِّبح بكسر الذال الضحية التي يذبحها المضحي. واختلف العلماء في القول بظاهر هذا الخبر فكان سعيد بن المسيب يقول به ويمنع المضحي من أخذ أظفاره وشعره أيام العشر من ذي الحجة، وكذلك قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن وإليه ذهب أحمد وإسحاق.
وكان مالك والشافعي يريان ذلك على الندب والاستحباب. ورخص أصحاب الرأي في ذلك.
قلت: وفي حديث عائشة دليل على أن ذلك ليس على الوجوب وهو قولها: «فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ثم قلدتها ثم بعث بها ثم لم يحرم عليه شيء كان أحله الله له حتى نحر الهدي».
وأجمعوا أنه لا يحرم عليه اللباس والطيب كما يحرمان على المحرم فدل ذلك على سبيل الندب والاستحباب دون الحتم والإيجاب.

.ومن باب ما يستحب من الضحايا:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب حدثني حياة حدثني أبو صخر عن ابن قسيط عن عروة عن الزبير عن عائشة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد وينظر في سواد ويبرك في سواد فأتي به فضحى به، قال فقال يا عائشة هلمي المدية ثم قال أشحثيها بحجر ففعلت فأخذها وأخذ الكبش فأضجعه وذبحه وقال بسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد ثم ضحى به».
قوله: «يطأ في سواد» يريد أن أظلافه ومواضع البروك منه وما أحاط بملاحظ عينيه من وجهه أسود وسائر بدنه أبيض. وقوله: «أشحثيها» إنما هو اشحذيها والثاء والذال قريبا المخرج. وفي قوله: «تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد» دليل على أن الشاة الواحدة تجزئ عن الرجل وأهله وإن كثروا وروي، عَن أبي هريرة وابن عمر أنهما كانا يفعلان ذلك وأجازه مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وكره ذلك الثوري وأبو حنيفة.
قال أبو داود: حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي حدثنا عيسى حدثنا محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب، عَن أبي عياش عن جابر بن عبد الله قال: «ذبح النبي صلى الله عليه وسلم يوم الذبح كبشين أقرنين أملحين موجبين فلما وجههما قال إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض على ملة إبراهيم حنيفا وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين اللهم منك ولك عن محمد وأمته بسم الله الله أكبر ثم ذبح».
الأملح من الكباش هو الذي في خلال صوفه الأبيض طاقات سود.
وقوله: «موجبين» يريد منزوعي الأنثيين والوجاء الخصاء يقال وجأت الدابة فهي موجوءة إذا خصيتها.
وفي هذا دليل على أن الخصي في الضحايا غير مكروه، وقد كرهه بعض أهل العلم لنقص العضو وهذا نقص ليس بعيب لأن الخصاء يفيد اللحم طيبا وينفي منه الزهومة وسوء الرائحة.
قال أبو داود: حدثنا يحيى بن معين حدثنا حفص عن جعفر عن أبيه، عَن أبي سعيد قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بكبش أقرن فحيل ينظر في سواد ويأكل في سواد ويمشي في سواد».
قلت: الفحيل الكريم المختار للفحلة، فإن الفحل فهو عام في الذكور منها وقالوا في ذكورة النخل فحال فرقا بينه وبين سائر الفحول من الحيوان.

.ومن باب ما يجوز من السن في الضحايا:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا أبو الأحوص حدثنا منصور عن الشعبي عن البراء قال: «خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بعد الصلاة فقال من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك ومن نسك قبل الصلاة فتلك شاة لحم فقام أبو بردة بن نيار فقال يا رسول الله لقد نسكت قبل أن أخرج إلى الصلاة وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب فتعجلت وأكلت وأطعمت أهلي وجيراني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك شاة لحم قال فإن عندي عناقا جذعة وهي خير من شاتي فهل تجزي عني قال نعم ولن تجزي عن أحد بعدك».
في هذا بيان أن الجذع من المعز لا تجزي عن أحد ولا خلاف أن الثني من المعز جائز.
وقال أكثر أهل العلم إن الجذع من الضأن يجزي غير أن بعضهم اشترط أن يكون عظيمًا.
وحكي عن الزهري أنه قال لا يجزي من الضأن إلاّ الثني فصاعدا كالإبل والبقر.
وفيه من الفقه أن من ذبح قبل الصلاة لم يجزه عن الأضحية.
واختلفوا في وقت الذبح فقال كثير من أهل العلم لا يذبح حتى يصلي الإمام.
ومنهم من شرط انصرافه بعد الصلاة ومنهم من قال حتى ينحر الإمام.
وقال الشافعي وقت الأضحى قدر ما يدخل الإمام في الصلاة حين تحل الصلاة وذلك إذا نورت الشمس فيصلي ركعتين ثم يخطب خطبتين خفيفتين فإذا مضى من النهار مثل هذا الوقت حل الذبح. وأجمعوا أنه لا يجوز الذبح قبل طلوع الشمس.
وقد استدل بعض من يوجب الأضحية بقوله: «تجزئ عنك ولن تجزئ عن أحد بعدك». قلت وهذا لا يدل على ما قاله لأن أحكام الأصول مراعاة في إبدالها فرضًا كانت أو نفلا وإنما هو على الندب كما كان الأصل على الندب، ومعناه أنها تجزئ عنك إن أردت الأضحية ونويت الأجر فيها.